بعد ازاحة زعماء بعض أنظمة الدول العربية منذ بداية الربيع العربي أواخر عام 2010 في كل من، تونس، مصر، ليبيا، واليمن، خرجت شعوب تلك الدول للتعبير عن فرحتها بالثورة، إلا أن الفرحة لم تكتمل فلم تنجح معظم تلك الدول في الانتقال إلى ما كان الشعب يطمح للوصول إليه من حرية وعدالة.
و قال رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق أحمد بن بيتور أنه بالرغم من المنجزات السياسية الهامة التي تمكن الحراك من تحقيقها في ظرف شهرين كاملين بداية من وضعه حد لمسيرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بفعل تعاظم الرفض الجماهيري وتخلي الحلفاء عنه وفي مقدمتهم الجيش، وصولا إلى تحرير عدد كبير من القطاعات العمالية ومؤسسات الدولة وأصحاب مهنة المتاعب من الضغوطات التي مارستها السلطة عليهم إضافة إلى استرجاع بعض الحقوق المدنية كحق التظاهر الذي كان محظورا في العاصمة الجزائر، فإن أسئلة كثيرة تطرح اليوم.
و اضاف بن بيتور، ان الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 فبراير الماضي حقق مكاسب عديدة أبرزها “الوحدة بين الشعب الجزائري” و”التعبئة” و”التثقيف السياسي” و”إسقاط الحكومة الجزائرية برئاسة أحمد أويحي كما أنه ساهم في خلق أشكال تعبيرية جديدة” إلا أن مستقبله مفتوح على كل الاحتمالات والعامل الرئيسي في تحديد مصيره هو سلوك السلطة المنتهج.
وقال بن بيتور، إن النظام السابق لعبد العزيز بوتفليقة ما زال يتصدر سلطة القرار في الجزائر، ويرى بن بيتور أن الوضع السياسي الراهن يشكل في جوهره امتدادا للوضع السابق قبل استقالة بوتفليقة في الثاني من إبريل الجاري.
وبعد مرور شهرين كاملين على الحراك الشعبي، يشير بن بيتور أن المرحلة القادمة تتطلب توفير الأدوات وتحرير الفضاء السياسي والإعلامي لاستيعاب الزخم الشعبي الذي أفرزه الحراك والثورة السلمية في الجزائر منذ 22 فبراير الماضي.
و يرى بن بيتور أن مطالب الحراك تتحقق ولكن ببطء، لأن النظام يتعامل بأسلوب الجرعات، فهو يقدم كل أسبوع جرعة إضافية في سياق الحل. ويعتقد أن المشهد يسير نحو سقوط رموز النظام واحدا واحدا أي بالتدريج وفقا للنظرية السياسية الدومينو حيث مع سقوط الحجرة الاولى تسقط الاحجار الاخرى تباعا، لكن تصلب السلطة وتمسكها بالحل الدستوري وراديكاليتها في تطبيقه بحذافيه قابلتها راديكالية الشارع في رفع سقف مطالبه بالتشديد على الحل السياسي، ويضيف أن النظام مزال مصرا على الحل الدستوري ورغم محاولاته الى دعمه ببعض الاجراءات السياسية الغير العميقة والتي تبدو ثانوية مثل اعتماد احزاب جديدة ومحاولة توزيع الاعلانات الحكومية لوسائل الاعلام الخاصة بطريقة مختلفة عما سبق، إلا أن الشارع في مجمله تسوده خيبة أمل لأن الحل السياسي الجذري مازال لم يتحقق والمتمثل في رحيل بن صالح رئيس الدولة والمرور إلى مرحلة انتقالية.
وأضاف بن بيتور أن تطبيق المادة 102 من الدستور خارج مضمون نص المادتين 7 و8 من الدستور التي تنص على السيادة الشعبية، وفي ظل رفض الشعب السيد لتولي بن صالح الرئاسة المؤقتة للدولة، فإن وضع الجزائر لم يخرج بعد من مسار العهدة الخامسة مع فارق وحيد هو عدم وجود بوتفليقة.
و قال بن بيتور انه يعين على الثوار الجدد أن يكونوا أكثر يقظة وحكمة في استغلال تلك النماذج للانتقال ببلادهم إلى بر الأمان، ومنع كل من يحاول الالتفاف على أهدافهم وطموحاتهم في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، والانتقال إلى حالة ديمقراطية حقيقية تعطي للشعب الأحقية الكاملة في اختيار من يمثله بكل حرية. وهنا يبدوا أن شعوب كلتا الدولتين أصبحتا أمام تحديات كبيرة، فالمرحلة الأصعب في التغيير للأفضل ليس الإطاحة بالرئيس الفاسد فقط، بل بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة من جديد وتنقيتها من رموز النظام الفاسدة، وهذا ليس بالأمر السهل، لذلك هناك ثلاث سيناريوهات محتملة لما ستؤول إليه الأوضاع في المرحلة القادمة وهي:
السيناريو الأول: أن يضع شعب الجزائر نماذج الثورات العربية التي سبقته بعين الاعتبار، والحذر من كل الأخطاء التي وقعت بها تلك الثورات؛ لمنع جميع محاولات الالتفاف على ثورته، والتخلص من كل رموز أنظمتهم السياسية والعسكرية السابقة من الفاسدين، والانتقال نحو ديمقراطية حقيقية ونظام يخدم مصالح الشعوب في هذه البلاد.
السيناريو الثاني: استمرار محاولات من تبقى من رموز الأنظمة السابقة وعلى رأسهم قادة الجيش من البقاء والتحكم في السلطة ومجريات الحياة السياسية في المرحلة القادمة، ومحاولة الوصول إلى صيغة تفاهمية مع الشعب.
السيناريو الثالث: وهو سيناريو يمكن أن يكون مستبعد في الحالة الجزائرية في هذه الأوقات، إلا أن كل شيء في بلادنا العربية يمكن توقعه، وهو حدوث صدام دامي بين الجيش والشعب بسبب رغبة الأول باستمرار التحكم في المرحلة القادمة وفق أهدافه للبقاء على رأس السلطة، والتحكم في كل مفاصل الدولة، وإصرار الثاني على الاستمرار في التظاهرات حتى يتم التخلص من رموز الجيش من زمرة النظام السابق، التي ترغب بالاستمرار في تحكمها في السلطة؛ مما سوف يدخل البلاد في حالة من الفوضى.